الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة يتزوج المرأة ثم يجدها لغية: قال محمد بن رشد: قوله: فإني أرى النكاح مفسوخا، معناه إن له أن يفسخه عن نفسه، فلا يلزمه شيء من الصداق إن كان قبل الدخول، ويكون الفسخ فيه تطليقة؛ لأنه نكاح فاسد، فيكون مفسوخا بالحكم. وقوله: إذا كان دخل بها فلها صداقها ما استحل منها، خلاف المعلوم من قولهم: إن له أن يرجع عليها؛ لأنها غرته إذا انتسبت له، ويترك لها من صداقها قدر ما يستحل به الفرج، وإنما يكون لها صداقها بما استحل منها، إذا كان وليها الذي أنكحها هو الذي نسبها له، وغره منها، فيكون هو الذي يجب الرجوع عليه، والأصل في هذا قول عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام فمسها فلها صداقها كاملا، وذلك لزوجها غرم على وليها. قال مالك: وإنما يكون ذلك غرم على وليها إذا كان وليها الذي أنكحها أبوها أو أخوها أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، فأما إن كان وليها الذي أنكحها ابن عم، أو مولى، أو من العشيرة ممن يرى أنه لا يعلم ذلك منها فليس عليه غرم، وترد المرأة ما أخذت من صداقها، ويُترك لها قدر ما تستحل به. وقوله: والرجل أيضا إذا انتسب للمرأة وغرها بتلك المنزلة، يريد: أنها إذا تزوجته على نسب فوجدته لغية، فلها الخيار وإن كانت مولاة، وإن كانت هي لغية، فتزوجته على نسب، فوجدته لغية، فعلى ما تقدم من الاختلاف في المسألة التي قبل هذه. .مسألة يجعل بضع ابنته بيد أخيه هل ينكحها العم بغير إذن الأب: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه؛ لأن الأب لا تسقط ولايته عن ابنته بجعله بضعها بيد أخيه، فإنكاح من أنكحها منهما جائز. فإن أنكحها كل واحد منهما ولم يعلم بإنكاح صاحبه، فهي للأول منهما، إلا أن يدخل بها الآخر. قال ذلك مالك في المدونة وغيرها. .مسألة العبد يتزوج بغير إذن السيد: قال محمد بن رشد رَحِمَهُ اللَّهُ: قد مضت هذه المسألة متكررة، والقول فيها في رسم الرهون من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة ذلك. .مسألة زوج ابنا له صغيرا وأصدق عنه وشرط في نكاحه: قلت: أرأيت لو أن الأب حين نكح ابنه شرط عليه شروطا أنه ليس له أن يتسرر ولا ينكح، فإن نكح فهي طالق ألبتة. فقال أهل المرأة للزوج: قد شرط ذلك عليك وأنت كبير، وقال الزوج: بل شرط عليّ ذلك وأنا صغير. قال ابن القاسم: على الزوج البينة، أنه شرط ذلك عليه وهو صغير، فإن لم يأت بالبينة حلف أهل المرأة وكان القول قولهم. قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة مبنية على أن الابن الصغير لا يلزمه ما شرط عليه أبوه من الشروط، إلا أن يلتزمها بعد البلوغ، أو يدخل بعد العلم بها، فيكون ذلك رضا منه، خلاف قول ابن وهب في أول السماع، فإن دخل ولم يعلم بها سقطت عنه وهو محمول على أنه لم يعلم، حتى يثبت عليه أنه علم بها. وذلك بيّن من قوله: وذلك له إلا أن يعلم أن الابن قد علم، وذلك أنه علم أنه شرطها عليه وهو صغير بتقاررهما على ذلك، أو بينة قامت عليه. وأما إن اختلفا فقال الابن: كنت صغيرا إذ شرط ذلك عليّ الأب، وقال أولياء المرأة: بل كنت بعد كبيرا، فعلى الابن البينة؛ لأنه الآن كبير، يلزمه ما شرط عليه أبوه بحضرته، فهو مدّع أنه كان حينئذ صغيرا ممن لا يلزمه ما شرط عليه أبوه بحضرته، فإن أقام البينة كان بالخيار، في أن يلتزم الشروط أو يفارق، ولا يكون عليه شيء من الصداق، إلا أن تسقط المرأة عنه الشروط، فيلزمه النكاح، وإن لم يكن بينة، حلف أهل المرأه وكان القول قولهم، ولزمته الشروط، إلا أن يشاء أن يطلق، فيلزمه نصف الصداق، وأهل المرأة الذين يحلفون، هم: الأب أو الوصي، دون من سواهما من الأولياء، فإن نكلوا عن اليمين، حلف الزوج، وكان كمن أقام البينة على دعواه. وإنما أوجب هاهنا اليمين على أهل المرأة لا عليها؛ لأنهم ادعوا ذلك، وذلك خلاف ما في أول رسم من سماع ابن القاسم، ولو لم يدعوا ذلك وقالوا: لا علم لنا به، لحلفت الزوجة، كما تحلف إذا قامت بشرط المغيب أو عدم الإنفاق. وقد مضى القول في أول رسم من سماع ابن القاسم على هذا المعنى مقسما مستوفى، فلا معنى لإعادة شيء منه، وبالله التوفيق. .مسألة أصدق امرأته مائة دينار فدخل عليها ولم يدفع إليها شيئا من الصداق: قال محمد بن رشد: لم ير ابن القاسم على الرجل إذا دخل بامرأته قبل أن يدفع إليها شيئا من صداقها، أن يكف عن وطئها حتى يدفع لها منه ربع دينار، وكره له قبل أن يدخل بها ابتداء قبل أن يدفع إليها، ولو ربع دينار من صداقها. ومحمد بن المواز يساوي بين الوجهين. وقد مضى القول في ذلك في رسم استأذن من سماع عيسى. وفي غيره من المواضع. وقوله: إنه إذا أصدقها أقل من ربع دينار، أُمر إن كان لم يبن بها أن يكمل لها ربع دينار، ويثبت النكاح، يريد إن شاء، وإن أبى فسخ النكاح ولم يلزمه شيء، وإن دخل بها أتم لها ربع دينار، شاء أو أبى ولا يفسخ النكاح، وهذا على قوله في المدونة خلاف قول غيره فيها، وخلاف قوله في سماع سحنون. وأما قوله: إنه لا يكف عن وطئها حتى يتمها فهو على قياس قوله في النكاح بصداق صحيح، إذا دخل بها قبل أن يقدم لها شيئا من الصداق، وبالله التوفيق. .مسألة تزوج امرأة ولم يبن بها حتى ماتت فقبَّلها وهي ميتة أو وطئها: قال محمد بن رشد: أما أمها فإنها تحرم عليه بالعقد عليها، وإن لم يقبل ولا وطئ؛ لأنها مبهمة ولا شرط فيها. وأما الابنة فلا تحرم إلا بالدخول بالأم، أو التلذذ بها؛ لقوله عز وجل: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فجعل ابن القاسم وطأها أو التلذذ بها، وهي ميتة أو حية سواء، في وجوب تحريم ابنتها بذلك؛ إذ لا ينقطع عنده بموتها ما كان بينهما من الحرمة، بدليل أنه يجوز له أن يغسلها. ويأتي على مذهب أهل العراق الذين يرون ما كان بينهما من الحرمة منقطعا بموتها، فلا يجيزون له غسلها، ولا تحرم عليه ابنتها بوطئه إياها بعد موتها، وهو الذي يوجبه النظر والقياس؛ لأنه وطء لا يحصنه، ولا يوجب لها عليه صداقا؛ ولأن عصمة النكاح تنقطع بينهما بموتها. وإن كانت حرمة الزوجية باقية بينهما، بدليل أنه يجوز له عند الجميع أن يتزوج رابعة إن كانت له ثلاث زوجات سواها، وقول ابن القاسم استحسان، فلعله راعى قول زيد بن ثابت، الذي يقول: إن الرجل إذا تزوج المرأة فماتت قبل أن يدخل بها، لم تحل له ابنتها، بخلاف إذا طلقها قبل أن يدخل بها. .مسألة ماتت امرأته فتزوج أختها قبل أن تقبر الميتة هل لزوجها أن يغسلها: قال محمد بن رشد: وكذلك لو ماتت امرأته قبل أن يدخل بها، فتزوج ابنتها قبل أن تقبر الميتة، لكره له أن يغسلها، ولم يحرم ذلك عليه، وسحنون يجيز ذلك ولا يكرهه، ذكر له أن بعض أهل العلم يقول: إن الرجل إذا كانت له أربع نسوة، فماتت إحداهن، ثم تزوج الخامسة قبل أن تغسل الميتة، أنه لا يجوز له غسلها، فقال: ليس الذي قلت من مذهبنا في شيء، وله أن يغسل الميتة، ألا ترى أن له أن يغسلها وإن لم يتزوج الخامسة، فإن كان إنما يغسلها؛ لأنها امرأته، فكيف يتزوج الخامسة؟ وكراهية ابن القاسم لذلك من غير تحريم، يدل على أن مباشرته إياها بعد موتها، لا يحرم عليه ابنتها، ويبين ما ذهبنا إليه في المسألة التي قبل هذه، من أن منعه فيها الرجل أن يتزوج بنت امرأته إذا كان قد قبَّلها أو وطئها بعد موتها، إنما هو استحسان على غير قياس، وبالله التوفيق. .مسألة تزوج أمة فلم يبن بها حتى فلس سيدها وقد كان دفع الصداق إلى سيدها: قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أنه لا يرجع عليه بشيء من الصداق، وذلك لا يصح؛ لأن الصداق المسمى لا يجب جميعه إلا بالموت أو الدخول، فإنما معناه أنه لا يرجع عليه بجميعه، وإنما يرجع عليه بنصفه؛ لأن الفراق جاء من قبله إذا اشتراها، وهو يعلم أن امرأته تحرم عليه باشترائه إياها، فصار كالمطلق قبل الدخول، وقد فرض أن له نصف ما فرض، ولو اشتراها من السلطان وهو لا يعلم أنها امرأته لحرمت عليه، ورجع بجميع الصداق على السيد؛ لأنه تحريم لم يتعمده. يبين هذا في كتاب النكاح الثالث من المدونة: أن الرجل إذا تزوج المرأة ولم يدخل بها حتى تزوج أمها وهو لا يعلم، فيبني بها، أن الابنة تحرم عليه، ولا يكون لها عليه من الصداق نصف ولا غيره؛ لأنه تحريم لم يتعمده، وهو محمول على أنه لم يعلم أنها زوجته حتى يعلم أنه علم، فإن ادعى أنه لم يعلم أنها زوجته حلف على ذلك، ورجع بجميع الصداق. وفي النكاح الثاني من المدونة: أن السيد لا شيء له من الصداق إذا باعها منه قبل الدخول، وهو دليل قوله هاهنا؛ لأن السلطان هو الذي باعها عليه، وإنما لم يكن له من الصداق شيء إذا باعها هو منه، وإن كان الزوج عالما أنها زوجته؛ لأنه لما كان أملك بالبيع غلب أمره على الزوج، فجعل كأن الفسخ والتحريم جاء من قبله دون الزوج. ولو باعها السيد ممن اشتراها للزوج وهو لا يعلم؛ لكان له نصف الصداق، بمنزلة إذا باعها السلطان، ولعيسى في كتاب القطعان أن بيع السلطان كبيع السيد، فيرجع بجميع الصداق، وهو بعيد، وبالله التوفيق. .مسألة تزوج جارية امرأته: قال محمد بن رشد: كره ذلك ابن كنانة، مراعاة لقول من رأى للزوج شبهة في مال الزوجة، فدرأ الحد عنه في وقوعه بجاريتها، روي ذلك عن عبد الله بن مسعود وهو شذوذ، فالصحيح أنه لا كراهة في تزويجه إياها، وأنه يحد إن وقع بها على ما جاء عن عمر بن الخطاب، وعن علي بن أبي طالب، وقد روى ذلك مالك، عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من رواية النعمان بن بشير. وأما ما روي عن سلمة بن المحبق: «أن رجلا زنى بجارية امرأته، فقال النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: إن كان استكرهها، فهي حرة، وعليه مثلها، وإن كانت طاوعته فعليه مثلها» فقيل فيه: إن ذلك كان في أول الإسلام، حين كانت العقوبات تجب في الأقوال بانتهاك الحرم التي ليست بأموال، ثم نسخ ذلك بما أنزل الله من الحدود على ما جاء في حديث النعمان بن بشير، وبالله التوفيق. .مسألة ساق إلى امرأته جارية في صداقها فأراد أن يتزوجها قبل أن يبني بها: قال محمد بن رشد: وكذلك إن زنى بها لم يحد، وهو على مذهبه، وروايته عن مالك، في أنه إن ماتت الجارية، ثم طلقها فالمصيبة منهما، والغلة بينهما، ويأتي على ما مضى في أول سماع أشهب، أنه إن أصدقها عبدا فمات عندها ثم طلقها قبل البناء. إن المصيبة منها يرجع عليها بنصف قيمته؛ إنه لا يجوز له أن يتزوجها إن كانت أمة، ويحد إن زنى بها، والقولان في وجوب الحد عليه إن زنى بها في ثمانية أبى زيد منصوص عليهما على هذين الأصلين، فقف على ذلك. وأما إن بنى بها، فيجوز له أن يتزوجها، ويحد إن زنى بها؛ لأنها قد استوجبتها بالدخول، فهو بمنزلة إذا كانت لها من غير صداقها. وقد مضى القول على ذلك قبل هذا، وبالله التوفيق. .مسألة فجر بامرأة أينكح ابنتها: قال محمد بن رشد: ظاهر قوله: إنه إذا فجر بالمرأة لا يتزوج ابنتها، على الوجوب، خلاف مذهب مالك في المدونة أن ذلك على الكراهة، لا على الوجوب، ومثل ما في الواضحة من أن الحرام يحرم الحلال، خلاف ما في الموطأ من أنه لا يحرمه هي ثلاثة أقوال: الإباحة، والكراهة، والتحريم، مرة رأى مالك التحريم في ذلك عبادة، لا لعلة، فقصره على الموضع الذي ذكره إليه فيه، وهو النكاح الحلال؛ لأنه قال: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] وليست المزني بها حليلة للزاني، {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]. وليس المزني بها من نساء الزاني، ومرة رآه لعلة، وهي ألا يجبر الرجل وابنه المرأة الواحدة، وأن لا يجبر المرأة وابنتها الرجل الواحد، فطرد العلة في الحرام، ومرة ترجح الأمر عنده، فرآه من المشتبهات، الذي تركه أحسن، والأظهر أنه عبادة، لا لعلة، بدليل إجماعهم على تحريم زوجة الابن على الأب، وزوجة الأب على الابن بالعقد، دون الدخول. ومن رأى التحريم لعلة الاختيار، قال: حمل العقد محمل الدخول؛ إذ لا يكون العقد إلا للدخول، فعلى القول بأنه يكره للرجل أن يتزوج المرأة إذا زنى بأمها أو بابنتها، والمرأة إذا زنى بها أبوه أو ابنه أن يتزوجها، فعثر على ذلك قبل الدخول، أو كان الزنا بعد العقد وقبل الدخول، أمر بفراقها بطلاق، وكان عليه نصف الصداق، وعلى القول بأن الزنا يحرم الحلال إن كان التزويج بعد الزنا، فعثر على ذلك قبل الدخول، يفرق بينهما بغير طلاق، ولم يكن لها شيء من الصداق، وإن كان الزنا بعد التزويج، وهو عالم أن نكاح المزني بها يحرم عليه امرأته، فرق بينهما، وكان عليه نصف الصداق؛ لأن الفراق جاء من قبله على ما مضى فوق هذا في الذي يشتري امرأته قبل البناء، وهو عالم أنها امرأته، أو ليس بعالم، ولا اختلاف في أن الوطء الفاسد في العقد الصحيح، أو في العقد المختلف في تحريمه، يحرم الربيبة، وأما إن كان العقد فاسدا لم يختلف في تحريمه، فوطئ فيه وهو عالم بفساده، كالزاني يحد، ولا تحرم عليه الربيبة، إلا على القول بأن الزنا يحرمها. واختلف إن وطئها وهو يظن أن النكاح صحيح، أو أنها زوجته وما أشبه ذلك مما يكون شبهة يدرأ بها عنه الحد، على القول بأن الزنا لا يحرم، هل يقع ذلك التحريم، كالوطء بالنكاح من أجل أنه وطء لا حد فيه أم لا؟ على قولين؛ الأصح منهما في النظر، أنه لا يقع به التحريم؛ لأنه إنما وطئ من ليست له بزوجة، فإذا لم يجعل التحريم لعلة الاختبار، وقال: إنه عبادة لغير علة، وجب ألا يوجب ذلك حرمة، وقد اختلف من هذا المعنى في الذي يريد من الليل زوجته، فتقع يده على ابنته فيباشرها متلذذا بها، أو يطأها، هل تحرم عليه أمها وهي زوجته، فحكم له بعض القرويين بحكم الربيبة، وحرم عليه بذلك أنها زوجة، وروي عن سحنون، والليث بن سعد: أنها لا تحرم عليه. وهو الصحيح؛ لأن ابنته ذا محرم منه لا ينعقد له فيها نكاح ألبتة، فهي بخلاف الربيبة؛ لأن الربيبة قد كان له أن يتزوجها لو لم يتزوج أمها، فهي التي ورد تحريم كل واحد منهما بنكاح صاحبتها، وبالله التوفيق. .مسألة أحضر رجلا فقيل نراك تنصر هذا ولقد بلغنا أنه ختنك فقال نعم أنصره: قال محمد بن رشد: هذا من قول ابن القاسم، مثل ما حكى أبو عبيد عن مالك، ورواه الواقدي عنه من أن هزل النكاح هزل، ولا يجوز منه إلا ما كان على وجه الجد، خلاف المشهور المعلوم من قول مالك وأصحابه في المدونة وغيرها، من أن هزله جد، على ما جاء في ذلك عن جماعة من السلف عمر بن الخطاب، وسعيد بن المسيب، وغيرهما. .مسألة فوض إليه فبنى وأرخيت الستور فأنكر أهل الجارية أخذ الصداق: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه لما كان القول قوله بعد الدخول في الصداق المسمى إذا ادعى أنه دفعه قبل الدخول، من أجل أنه ليس له أن يدخل حتى يؤديه، وجب أن يكون القول قوله، دفع صداق المثل إذا فوض إليه، من أجل أنه ليس له أن يدخل بها في التفويض، حتى يدفع إليها صداق مثلها، وإن كان الذي ادعى أنه دفع إليها أقل من صداق مثلها، حلف على ذلك، ووفاها تمام صداقها، وإن ادعى عليها أو على أبيها إن كانت بكرا الرضا بذلك من صداق مثلها، لم يصدق وحلفتْ على ذلك هي وأبوها إن كانت بكرا، وإن ادعى أنه دفع إليها أكثر من صداق مثلها، ليلزمها التجهز بذلك إليه لم يصدق في الزائد، وأسقطته عن نفسها بيمينها، تحلف بالله ما دفع إليها شيئا ويحلف هو بالله لقد دفع إليها ما ادعى، ويكون عليها أن تتجهز إليه من ذلك بقدر صداق مثلها. .مسألة الولي ينكح الجارية على إن رضيت فترضى: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأنه إذا تزوجها على إن رضيت فهو نكاح العقد على خيار، وإن كانت قريبة، إلا أن تكون حاضرة في البلد، فيرسلا إليها ليعلما رضاها في الفور قبل أن يفترقا من مجلسهما، فيجوز ذلك على معنى ما مضى في آخر سماع أصبغ، وقوله: إنه لا يفسخ بعد البناء، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وفي رسم باع شاة، من سماع عيسى. وقد مضى من القول على ذلك هنالك ما لا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة قال في مرضه قد زوجت ابنتي فلانا وأصدقتها عنه مائة دينار: قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة موعبا في رسم العرية، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك هاهنا، وبالله التوفيق. .مسألة أسلم وامرأته من غير أهل الكتاب فعرض عليها الإسلام فأبت ثم أسلمت: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وهو يبين ما وقع في المدونة من أن الفرقة لا تقع بينهما إذا لم تسلم بعد إسلامه، إلا أن يتطاول ذلك بأكثر من الشهر، أن معناه إنما هو إذا غفل عن عرض الإسلام عليها. قال بعض شيوخ القرويين: وهذا في المدخول بها، فلا يستحق في ذلك الشهر، ولا تكون زوجته إلا إذا أسلمت بالقرب، ولا فرق في القياس بين المدخول بها وغير المدخول بها في هذا؛ لأن العصمة بينهما قائمة وإن لم يدخل بها، وقد أمره الله ألا يمسك بها، فإما أن يحمل أمره عز وجل على الفور فيهما جميعا، أو على التراخي فيهما جميعا، وحمله مالك على التراخي، وخفف الشهر في ذلك ما لم توقف فتابا الإسلام، وبالله التوفيق. .مسألة أراد أن يتزوج امرأة ربيبه زوج أمه: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الله عز وجل إنما حرم عليه زوجة أبيه؛ لقوله: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وربيبه ليس بأب له، فلا حرمة بينه وبين زوجته، إلا أن يكون تزوج أمه ودخل بها، وهي ترضعه؛ لأنه يصير بذلك، أبا له من الرضاعة، فلا يتزوج امرأته. .مسألة تزوج صبية صغيرة وشرط لها عليه إن تزوج عليها فأمر نفسها بيدها: قال محمد بن رشد: أما التي شرط لها عليه إن تزوج عليها، فأمر نفسها بيدها، فتزوج عليها، وهي صغيرة لا تعقل. فقوله فيها: إنه يستأنى بها حتى تعقل، ثم تختار إن شاءت، فهو صحيح. مفسر لجميع الروايات. من ذلك ما وقع في كتاب التمليك في رسم: الشجرة من سماع ابن القاسم، ورسم: بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى. ووجه ذلك أنه إذا تزوج عليها وهي صغيرة لا تعقل، فقد أوجب لها في نفسها التمليك إذا عقلت، وقد لا تعقل أو تموت قبل أن تعقل، فكان ذلك بمنزلة الذي يقول لامرأته: أمرك بيدك، إذا قدم فلان، إن الأمر يكون بيدها إذا قدم فلان. وأما التي شرط لها عليه أنه إن تزوج عليها، فأمر التي تزوج عليها بيدها وهي صغيرة لا تعقل، فقد مضى القول في نظيرها في رسم إن خرجت من سماع عيسى؛ لأن الصغيرة التي لا تعقل كالمجنونة، فالكلام على تلك يغني عن الكلام على هذه ولو كانت ممن يعقل لكان لها الخيار، وإن لم تبلغ في المسألتين جميعا، ولا اختلاف في ذلك أحفظه، وبالله التوفيق. .مسألة يتزوج سرا بشهادة شاهدين ويستكتما ذلك: قال محمد بن رشد: هذا مذهب ابن القاسم في المدونة الذي اختاره لرواية بلغته عن مالك إن كل نكاح اختلف الناس فيه، فالفسخ فيه طلاق، والطلاق فيه قبل الفسخ لازم، والميراث فيه واجب، والخلع فيه جائز نافذ، وإن كان الفساد في العقد دون الصداق، وجب فيه جميع الصداق المسمى بالموت، ونصفه بالطلاق قبل الدخول ما لم يفسخ. وكل نكاح لم يختلف في فساده، فلا طلاق فيه ولا ميراث، والخلع فيه مردود؛ لأن مذهب ابن القاسم أن الخلع تابع للطلاق، خلاف قول ابن الماجشون، ومذهب ابن المواز. وقد ذكرنا ذلك في سماع سحنون. والذي أجازه سحنون، وقال به أكثر الرواة، إن كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه، فالفسخ فيه ليس بطلاق، ولا طلاق ولا ميراث فيه قبل الفسخ، حيث يغلبان عليه، فما فسد لصداقه على هذا القول، لا طلاق ولا ميراث فيه قبل الدخول، ويكون الطلاق والميراث فيه بعد الدخول، ولا كتاب النكاح الثالث من المدونة قول ثابت، وهو: أن ما كان من الأنكحة يفسخ قبل الدخول وبعده، فلا طلاق فيه ولا ميراث قبل الدخول ولا بعده، وإن كان قد اختلف فيه، وما كان منها يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، ففيه الطلاق والميراث قبل وبعد، والمشهور في المذهب، أن الحرمة تقع بكل نكاح مختلف فيه، وأجرى ابن حبيب الحرمة مجرى الطلاق والميراث، ومثله لابن القاسم في الدمياطية، قال في المريض يتزوج المرأة في مرضه: إنها تحل لابنه وأبيه إن لم يكن دخل بها، وبالله التوفيق.
|